انتشر مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر ترتيب الدول العربية من حيث نسب العنوسة، حيث زعم أن تونس تحتل المرتبة الأولى بنسبة 81%.
الرد على الادعاء: قراءة علمية للأرقام
في تعليق على هذه المزاعم، نفى الأستاذ الجامعي المختصّ في علم الاجتماع، معاذ بن نصير، صحة هذا الرقم. وعبّر عن أسفه لإعطاء المنصات الإعلامية لمصادر غير موثوقة تقدم إحصائيات بعيدة عن الواقع. وأوضح أن دراسة حديثة أجرتها وكالة الأناضول التركية عام 2024 حول نسب تأخر سن الزواج في العالم العربي أظهرت أن تونس تأتي في المرتبة الرابعة بنسبة 65%، وليس في الصدارة كما أُشيع.
وفقًا لهذه الدراسة، تصدرت لبنان القائمة بنسبة 85%، تليها سوريا والعراق بنسبة 70% لكل منهما، في حين جاءت الجزائر في المرتبة الخامسة بنسبة 50%. كما أشار بن نصير إلى أن تونس كانت تحتل المرتبة الخامسة في عام 2020، مما يعكس تغيرًا طفيفًا في الترتيب.
تحليل الظاهرة: بين التمدرس والتحولات الاجتماعية
يرى بن نصير أن ارتفاع نسبة تأخر سن الزواج في تونس لا يعد مؤشرًا سلبيًا بالضرورة، بل يعكس تطور المجتمع وتغير نمط حياته. فقد ارتفع معدل سن الزواج من 20-21 عامًا في العقود الماضية إلى 27 عامًا لمواليد الثمانينيات والتسعينيات، ويُتوقع أن يكون أعلى بين مواليد الألفية الجديدة.
وأوضح أن هذا التغيير يرتبط بارتفاع نسبة التعليم بين النساء، حيث تبلغ نسبة الطالبات في التعليم العالي 62%، بالإضافة إلى زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
تأثير الأوضاع الاقتصادية والسياسية
وأشار بن نصير إلى دور العوامل الاقتصادية، مثل تداعيات أزمة “كوفيد-19″، التي أدت إلى ارتفاع نسب البطالة والفقر، مما أثّر على قدرة الشباب على تحمل تكاليف الزواج. كما أن الهجرة، سواء النظامية أو غير النظامية، أسهمت بدورها في ارتفاع نسبة العنوسة، خاصة في تونس.
وفي السياق ذاته، أوضح أن الظروف السياسية وعدم الاستقرار الاقتصادي في بعض الدول العربية، مثل لبنان وسوريا والعراق، أسهما في ارتفاع نسب العنوسة، خاصة في ظل الحروب التي تجعل النساء والأطفال أكثر الفئات تأثرًا.
الجانب السلبي: ثقافة التملص من المسؤولية
على الرغم من الجوانب الإيجابية التي تعكسها هذه النسب، إلا أن بن نصير حذر من بعض التأثيرات السلبية، مثل انتشار ثقافة التهرب من المسؤولية لدى الشباب. كما أشار إلى دور بعض الأولياء في تعزيز هذه العقلية من خلال تمرير قيم التواكل لأبنائهم.
أسباب متعددة ومعقدة
اختتم بن نصير تحليله بالتأكيد على أن تأخر سن الزواج هو نتيجة لتداخل عوامل متعددة، من بينها الأسباب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وأوضح أن هذه العوامل مترابطة، حيث يؤدي عدم الاستقرار السياسي إلى أزمات اقتصادية، مما ينعكس سلبًا على الوضع الاجتماعي.
خلاصة
الحديث عن نسب العنوسة في العالم العربي يتطلب التعامل مع أرقام دقيقة وتحليل عميق للأسباب. وبينما تعكس الأرقام في بعض الحالات تحولات اجتماعية إيجابية، فإنها تكشف أيضًا عن تحديات معقدة تحتاج إلى معالجة متأنية على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
المصدر : موزاييك