ايام قليلة تفصلنا عن الموعد الذي حدده رئيس الحكومة الياس الفخفاخ في اخر ظهور تلفزي له في منتصف الشهر المنقضي، للاعلان عن جملة من القرارات التي وصفها بالموجعة من اجل تدارك الكلفة الاقتصادية التي ستخلفها جائحة الكورونا، وكثيرة هي الاسئلة التي يتم تداولها بين التونسيين حول طبيعة هذه الاجراءات والفئات التي ستستهدفها ومدى نجاعتها ..
وحسب التسريبات الاولية فستكون هذه الاجراءات في نسبة كبيرة منها لفائدة المؤسسات الاقتصادية التي تاثرت سلبا من الازمة الوبائية بسبب تعطل نشاطها، ومن المتوقع ان تكون البقية منها «تضحيات» حسب ما اكده رئيس الحكومة في ذات الحوار التلفزي، حينما صرح بأن الفترة القادمة ستكون «مرحلة التحديات» لأنها ستشمل تضحيات من الجميع لإعادة بناء الإقتصاد الوطني المتضرر من الجائحة. واثارت هذه التصريحات تاويلات مختلفة بين الاوساط الاقتصادية، منها من ذهب الى ان الموظف سيكون في الواجهة هذه المرة ويتحمل هذه التضحيات، وفسر شق اخر التصريحات بان تكون القرارات المرتقبة ذات صبغة جبائية وستكرس مزيدا من الضغط الضريبي.
وبمجرد ان استوفت الدولة جميع الحلول التي اوجدتها لمجابهة «الكورونا» واهمها التداين الذي اثقل ميزانيتها بعد ان تحصلت على قروض بـ 5 مليار دينار كدفعة اولى، ستتوجه هذه المرة الى الموظف، باعتباره الحلقة السهلة لتنفيذ الاجراءات المنتظرة، وهو ما دابت عليه الحكومات المتعاقبة على اختلاف توجهاتها في الحكم منذ اكثر من 9 سنوات متتالية في حلها لكل الازمات التي مرت بها البلاد والمراوحة بين حلين اثنين وهما التداين والضغط الجبائي ..
وفي ما يتعلق بالضغط الجبائي، مازالت تونس اليوم تعرف ارتفاعا في نسبه لتصل حسب الاحصائيات الحكومية مع موفى سنة 2019، الى حدود الـ25.4 بالمائة، كما ان قانون المالية للسنة الجارية لم يتضمن اجراءات جديدة تزيد من الضغط الجبائي واقتصرت على اجراءات تتعلق بضبط النظام الجبائي للتأمين التكافلي، وإحداث صنف جديد من المراجعة الجبائية، فضلا عن مواصلة تشجيع الشركات على إدراج اسهمها بالبورصة…
ويبدو ان هذه المؤشرات التي ستنطلق منها الحكومة في ما يتعلق بالاجراءات المرتقبة، وستعلل كل اجراء جبائي جديد ستطلقه بفضل استقرار نسبة الضغط الجبائي وخلو القانون الجديد للمالية من ضرائب اضافية مما يسمح لها باقرار مثل هذا النوع من الاجراءات ويكون بذلك رئيس الحكومة قد صدق في قوله بان تكون قرارات في شكل تضحيات.
كذلك ستكون اهم الاسباب التي ستقدمها الحكومة لاقناع شعبها بالقرارات المرتقبة، التراجع الملحوظ في المداخيل الجبائية لهذه السنة والتي كانت النقطة المضيئة في قانون المالية باعتبار ان التقديرات التي تم ضبطها تبلغ 31.756 مليون دينار، وهي قيمة مرتفعة، لكن الازمة الوبائية وتعطل نشاط القطاع المؤسسات الاقتصادية يحولان دون توفير هذه الموارد.
وكان البنك الدولي في تقريره الأخير قد توقع تراجع وضعف الإيرادات الحكومية، المتاتية من السياحة باكثر من 15 بالمائة وتعطل التجارة والتصدير، فضلاً عن الايرادات التي توفرها حركة النقل الجوي والبحري والسفر ….
لكن كل الاجراءات المرتقبة والتي ستكون في شكل تضحيات، سيتحملها فقط دافعو الضرائب، لان اغلب الضغط الجبائي يوجه نحو دفع الأجور وخلاص خدمة الدين على حساب الخدمات العمومية، وتتحمل فئة ضئيلة من التونسيين هذا الضغط، تتكون من 750 الف من دافعي الضرائب. ومن بين هذه الفئة، في حدود الـ 450 ألف ينضوون تحت مظلة النظام التقديري وتعتبر مساهمتهم الجبائية محدودة جدا، اذ لا تتخطى 30 مليون دينار دون احتساب الاطراف، التي لا تقوم بالتصريح، الى جانب الموظفين والمقدر عددهم مليون و600 الف شخص الذين يدفعون سنويا حوالي 6500 مليون دينار من الضرائب … كما تؤكد الاوساط المالية والاقتصادية خلافا للمؤشرات الحكومية المنشورة، ان المعدل الحقيقي للضغط الجبائي في تونس يبلغ 35.5 بالمائة، وهو المعدل الأرفع في إفريقيا، لان الحكومة لا تاخذ بعين الاعتبار سوى الضريبة المباشرة وغير المباشرة في طريقة احتسابها..
وحتى لا تتحمل هذه الفئات دون غيرها التكلفة الاقتصادية لازمة «الكورونا»، على الحكومة تشريك كل فئات المجتمع من موظفيين ورجال اعمال واصحاب المهن الحرة وجميع المؤسسات الاقتصادية المحلية والاجنبية في الاجراءات المرتقبة لتكون بالفعل تضحيات وليست حيفا موجها..
المصدر : الصباح